رمضان الحبيب الغالى..
تمهّل علينا قليلا.. فقد كنا بالأمس ننتظرك ونرجو الله أن يلحقنا بك لنتشرف بمُصاحبتك وجوارك وأنسك وجمالك.. فأكرمنا الله وإستجاب لنا رأفة بنا ورحمة فبلّغنا إياك، ثم ما أن لبثت فينا قليلا حتى وجدناك تسرع الخطى لتصل إلى نصف زمنك..
رمضان ترفّق بنا
أمحزون أنت على أبناء مصر الشرفاء الذين قضوا بأرض سيناء..
لاتحزن رمضان الحبيب...
فقد مضى وولىّ زمان الخوف من العبيد اليهود والخونة الأغبياء..
قتلة الصالحين والأنبياء...
لقد ولىّ الليل ولن يعود وجاء دورك ياصباح وسفينة الإيمان سارت لاتبالى بالرياح
وحياتنا أنشودة صيغت على لحن الكفاح...
لاتحزن فحقّهم لن يضيع ولن تذهب دمائهم هباءاَ منثورا..
لاتحزن فرئيس مصر اليوم غير مخلوعها بالأمس...
فهو رئيس يحافظ على أبنائه ولايفرّط ولن يفرّط في دماء أبنائه..
فليهنأ الشهداء أصحاب الخاتمة الحسنة من كانوا صائمين وفى الله على الحدود مرابطين.
أمحزونُ أنت على أهل سوريا الحبيب؟
لا تحزن رمضان الحبيب..
فأهل سوريا منا ونحن منهم..
آلامهم آلامنا ومرضهم مرضنا وحاجتهم حاجتنا وظلمهم ظلم لنا.
نبشرك رمضان الكريم بأن المسلمين ماقصّروا مع إخوانهم لا فى سوريا ولا فى بورما ولا فى الصومال ولا فى فلسطين.. فقد دعوا لهم – ومازالوا – بأن يرفع الله عنهم البلاء وأن يطعمهم ويسقيهم ويرحمهم وينزل عليهم سحائب الخير والرحمة والتثبيت والفرج من الأزمة وأن يهلك عدوهم.
نبشرك يا رمضان الحبيب أن أمة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم هى أمة الخير بل خير أمة أخرجت للناس، فقد طهّروا أموالهم ولو بالقليل ومنحوها لهم، فالمسلمون بخير لم يبخلوا ولم يتكاسلوا ولن تهدأ أنفسهم إلا بعد أن يزيح الله همّ أهل سوريا وفلسطين وبورما والمستضعفين فى الدنيا.
رمضان ترفّق بنا:
فالقرآن قد ألفناه وصاحبناه وعرفناه وقرأناه وإستمتعنا به، وبدأت القلوب ترتاح لأحكامه وتنهض بأخلاقه فَصَهَرَنا القرآن ودرّبنا على تعلّم الكثير من الآداب والأخلاق فأمسكنا الألسن وغضضنا البصر وترقّق القلب..
وعلمنا أن خلاصنا بالقرآن ورواجنا بالقرآن وسعادتنا بالقرآن ونهضة أمتنا لن تكون إلا بالقرآن.. فتمهّل علينا أيها الحبيب نريد أن نستزيد له فهما ونستشفى به شفاءا ونتنور به نورا ونتخلق به أخلاقا ونتمسك به منهجا..
تمهّل قليلا..
فهو الذى قد نزل فيك فزدت به شرفا وفخرا، وإجتمعت الخيرات كلها فيك، خير نزول القرآن فيك وخير ليلة قدر شريفة عظيمة وخير رحمة وخير مغفرة وخير عتق من النيران وخير اللُحمة بين المسلمين.
أبَعد هذه الخيرات التى ميّزك الله بها نراك مُصرّا على إسراع الخُطى...
مهلا رمضان.. لاتحرمنا خيراتك.
رمضان ترفّق بنا:
فلذة التراويح أمتعتْنا وكثرة الركعات أراحتنا ومزيد السجدات رفعتنا وطول الوقوف بين يدى الله أنسانا دنيانا ومشاغلنا.
فلماذا ترغب بالرحيل؟
تمهّل أيها الحبيب
فتراويحك جميلة فيها الراحة. ومعها السعادة وبها تتميز أيها الشهر الحبيب.
تمهل ولو قليلا فقد عشقنا سماع قول الإمام يصدح: صلاة القيام أثابكم الله.
كلمات دغدغدت آذاننا، وأطربت مسامعنا، ولاندرى ماذا نفعل إذا رحلت وأسرعت خطاك؟
وصفوف المصلين فى التراويح تتزاحم والأكتاف تتلاحم والأقدام تلتصق والخشوع يهيمن والرحمة تتنزل والجنة أمام الأعين تتمايل، أعيننا فى موضع السجود وقلوبنا فى سبحات الله وأيدينا فوق الصدور وأرجلنا تتثبت لاتريد الخروج من الصلاة حتى تفوز بدعاء الإمام ليختم به تراويحنا.
فيدعو ونؤمن ويرجو ونطلب ويرفع الأكف ولاينتهى من الدعاء إلا بعد أن نكون قد إستشعرنا اجابة الدعاء وإنفتاح السماء وقبول الرجاء ولم لا؟ وهو صاحب العظمة وصاحب الجود والعطاء.
تمهّل أيها الحبيب..
فأين نجد فى غيرك من الشهور تراويحاً..
اللهم أجرنا فى مصيبتنا وأخلفنا خيرا منها.
ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسارع خطاك؟
فوالله إن حروف إسمك من ذهب فأنت رمضان...
راؤك رحمة وميمك مغفرة وألفك أمن وأمان ونونك نجاة ونجاح.
لماذا تسرع بالرحيل؟
ونحن قد إستشعرنا رحمة ربنا ولمسناها فى أمور كثيرة ونرجو دوامها والفوز دائما بها.
لماذا تسرع بالرحيل؟
ونحن قد زاد طمعنا كل ليلة فى مغفرة ربنا وكلنا فيه ثقة وكلنا نظن فيه الظن الحسن ولم لا وهو القائل: أنا عند ظن عبدى بى.
لماذا تسرع بالرحيل؟
ونحن قد وجدنا فى أنفسنا أمانا جَعلنا نرجو ربنا وندعوه أن يعم به على بلادنا وبلاد المسلمين أجمعين.
لماذا تسرع بالرحيل؟
ونحن قد تلمّسنا نجاحا وتوسمنا فى ربنا نجاة من نيرانه ومن عذابه ومن خزيه.
ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسرع بالرحيل ؟
ونحن الذين تعايشنا فيك مع المقصد العظيم منك وهو التزود بالتقوى.
فأنت الهُدى للمتقين وأنت الهدى للسالكين وأنت الطريق لأصحاب الميامين.
مهلا نريد أن نعيش حياة فيك مع التقوى التى جمّلَها إمام المتقين عليا رضى الله عنه وأرضاه بقوله:
التقوى: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
أمهلنا أيها الحبيب
نريد أن نوثّق خوفنا من الله نريد أن ننتهى عما نهانا ونتدرب على كيف يكون الخوف من الجليل.
أمهلنا أيها الحبيب
نريد أن نعمل بتنزيل ربنا بقرآنه العظيم الذى نزل فيك، أمهلنا قليلا نعيد ختمه ونتشرب معانيه ونتزود بأخلاقه.
أمهلنا أيها الحبيب
نريد أن نتدرب فيك على أن نقنع بما يعطيه لنا ربنا ونعتقد أن ماأعطانا خالقنا ماهو إلا المكتوب لنا وأن أهل الأرض لو إجتمعوا على أن يضرونا بشيء فلن يكون إلا بالذى قد كتبه ربنا علينا ولو إجتمعوا على أن ينفعونا بشيء فلن يكون إلا بالذى أراده لنا.
أمهلنا أيها الحبيب..
نريد أن أن نتدرب فيك على برنامج الإستعداد ليوم الرحيل من دنيا لاتساوى عند الله شيئا، حقيرة ذليلة، من أرادها أعطاه الله إياها ومن تزهّد فيها ورغب فيما عند الله أعطاه الله خيرى الدنيا والآخرة.
دعنا قليلا..
نستعد لتلك اللحظة الفارقة فى حياتنا والتى من بعدها سيتحدد المصير إما الى جنة – جعلنا الله والمسلمين جميعا من روادها – أو إلى نار – أعاذنا الله وآبائنا وأمهاتنا وزوجاتنا وأبنائنا والمسلمين منها -.
ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسرع بالرحيل؟
فرُبّ كلمة بسيطة أو موعظة عابرة من إمام فى المسجد بعد الصلاة أو قبلها أو بينها – رُبّ هذه الموعظة تحقق لنا آمالا وتسعدنا سنيناً وتنجينا نجاة وتزحزحنا عن النار وتبعدنا.
فالخطباء والعلماء والوُعّاظ فيك يتحفونا برقائق، ويلهبوا مشاعرنا فى دقائق، ويأخذوا بأيدينا لنرى المصفوف من النمارق، ويصعدوا بنا إلى السماء فوق الخلائق، ويقربونا إلى الله الكريم الخالق.
دعهم قليلا..
أيها الحبيب فمواعظهم فيك لها مذاق محسوس ملموس قد يختلف عن غيرك من الشهور..
فمجرد أن يصدح الواعظ بتوجيه أو يوجه بإرشاد أو يُرهّب من نار أو يُرغّب فى جنه، تجد آذانا صاغية ونفوسا كلها طواعيه، وكأن الطير قد وقعت على الرؤوس وتجد الجميع يسرح مع رب عظيم كريم قدوس.
ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسرع بالرحيل؟
فالنافلة فيك بفرض والفرض فيك بسبعين.. أنجد خيرا مثل ذلك فى غيرك من الشهور؟ بالطبع لا
إذن حنانَيك علينا صبرا قليلا..
نريد زيادة الرصيد ليوم الحساب ليوم الوعيد.
نريد التمرّس فى هذه الروضة العجيبة من الحسنات المجيدة.. دعنا أمهلنا إنتظر قليلا.
نراك عزيزا فى الوصول عزيزا عند الإستضافة وكأنك تعمل بالحكمة التى تقول: زُر غُبا تزدد حبا.
أتريد أن نزداد لك حبا؟
نحن والله نحبك ونعشقك ونحب لياليك وفجرك وظهرك وعصرك ومغربك وعشاؤك..
لقد تيّمْتَنا فى حبك يا رمضان.. ثم تفاجأنا هكذا بإنصرام أكثر من نصفك... ألست أنت الذى قَدِمْتَ حالا ومن ساعات قليلة تُلقى علينا سلامك وتبهج أيامنا بعظيم مقامك وتسعد نفوسنا بجميل حنانك.
أمّا وإن كان ولابد من رحيلك:
فكن مطمئنا:
فنسنظل لك مُحبون وبك مُتيّمون.
سنظل بعهدنا معك على العدل والإنصاف حتى من أنفسنا.
سنحاسب أنفسنا ونقومها ونهذبها ونربيها كى نعتقها من قيودها.
سيظل المسلمون يا رمضان أخوة متحابون فيما بينهم، لمثلك يستعدون ومن معينك الصافى يستمدون.
عهدا سنكون لأمتنا أوفياء، بخلقها رحماء، لدعوتها نُصراء.
عهدا سنكون فى غيرك كما كنا فيك.. ربانيون إن شاء الله لا رمضانيون.
عهدا إن شاء الله سنحب الصلاة لنقيم بها الدين كما كنا فيك نحبها.
عهدا سنعض بالنواجذ على النوافل لنزداد بها من الله قربا وشبرا وذراعا.
عهدا سنعانق القرآن وسنأخذ منه البيان وسنحمله بأيدينا ومع سفرنا وإقامتنا سنجعله لنا الرفيق وسنجتهد به فى التطبيق وسنُسعد به الدنيا ونخرجها بإذن الله من كل ضيق.
عهدا سنُحب الوعّاظ والخطباء والمصلحين وسنجلس بين أيديهم كما كنا فيك لينيروا لنا دربنا ويساعدونا على إصلاح أنفسنا.. نستسقى منهم الدواء ونستعين بهم على الشفاء.. ولم لا فهم ورثة الأنبياء.
عهدا سنكون لسوريا وبورما وفلسطين أوفياء، ولن نوقف ألستنا لهم عن الدعاء، ولن يكون لهم بإذن الله إلا كل جميل منا وعظيم عطاء.
عهدا يا رمضان سنجتهد أن يُشار لنا بالبنان كى نكون قمماً وأئمة فى كل ميدان.
عهدا يا رمضان.. لن نكون جاحدين لمن تفضلوا علينا بخير صَغُر أو كَبُر وسنحبهم ولن ننسى علينا فضلهم ولن ننكر لهم جميلهم.. ولن نكون كالمثل القائل: قططا تنكر فضل من أطعمها.
عهدا ياحبيب.. سنجعل لربنا من دموعنا نصيبا، نسكبها له رغبة منا ألا تمسنا نيران ربنا.
سنبكى بكاءا نصحح به مسارنا، لارياء فيه ولا إصطناع بل خالصٌ كله لربنا.
عهدا.. سنحيا بأخلاق نبيك فى غيرك من الشهور، نتواضع للناس، نكون ذوى إحساس، نتأدب فى الإختلاف، ويعذر بعضا بعضا عند أى خلاف، لن نصاحب إلا المؤمنين, ولن يأكل طعامنا إلا المتقين، طائعين بذلك قدوتنا رحمة العالمين سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين عليه من الله صلاة وسلاما له وآله وصحبه اجمعين.
رمضان... فى أمان الله:
إن كنا نعاهدك لإحساسنا بقرب رحيلك.. فرجاء كُنْ لنا وفياً.
لاتنسى صحبتنا هناك عند باب الريان فأنت والقرآن تشفعان.
لاتنسى إمساك أيدينا فقد صمنا فيك وزُجنا زجا من بابك العظيم باب الريان.
لاتنسى الشفاعة لنا عند ربك، ألا تركنا فيك الطعام والشراب، ألا هجرنا فيك الملذات والشهوات، ألا صبرنا فيك، ألا أحببناك، ألا رافقناك؟ إذن إشفع لنا.
الكاتب: نبيل جلهوم
المصدر: موقع عودة ودعوة